سورة يونس - تفسير تفسير الثعلبي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (يونس)


        


{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ (1) أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَبًا أَنْ أَوْحَيْنَا إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ قَالَ الْكَافِرُونَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ مُبِينٌ (2) إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلَّا مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (3) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ بِالْقِسْطِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرَابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَعَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ (4)}
{الر} قُرِئ بالتفخيم والإمالة وبين اللفظين، وكلها لغات صحيحة فصيحة.
ابن عباس والضحاك: أنا الله أرى، وقيل: أنا الرب لا رب غيري. عكرمة والأعمش والشعبي. الر وحم ون حروف الرحمن مقطعة. فاذا وصلت كان الرحمن. قتادة: اسم من أسماء القرآن. أبو روق: فاتحة السورة، وقيل: عزائم الله، وقيل: هو قسم كأنّه قال: والله إنّ {تِلْكَ آيَاتُ الكتاب}.
قال مجاهد وقتادة: أراد به التوراة والإنجيل والكتب المقدسة، وتلك إشارة إلى غائب مؤنث.
وقال الآخرون: أراد به القرآن وهو أولى بالصواب لأنه لم يخص الكتب المقدمة قبل ذكره ولأن الحكيم من بعث القرآن، دليله قوله: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ} [هود: 1] ونحوها فيكون على هذا التأويل تلك يعني هذه وقد مضى القول في هذه المسألة في أول سورة البقرة {الحكيم} المحكوم بالحلال والحرام والحدود والأحكام.
وقال مقاتل: المحكم من الباطل لا كذب فيه ولا اختلاف وهو فعيل بمعنى فاعل كقول الأعمش في قصيدته:
وعزيمة تأتي الملوك حكيمة *** قد قلتها ليقال من ذا قالها
وقيل: هو الحاكم فعيل بمعنى فاعل بأنه قرأ: نزل فيهم الكتاب بالحق {لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس فِيمَا اختلفوا فِيهِ} [البقرة: 213] وقيل: بمعنى المحكوم فيه فعيل بمعنى المفعول.
قال الحسن: حكم فيه بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وحكم فيه بالنهي عن الفحشاء والمنكر والبغي وحكم فيه بالجنة لمن أطاعه وبالنار لمن عصاه.
وقال عطاء: حكيم بما حكم فيه من الأرزاق والآجال بما شاء.
{أَكَانَ لِلنَّاسِ عَجَباً} الآية، قال ابن عباس: لما بعث الله محمداً رسولاً أنكرت الكفار وقالوا: الله أعظم من أن يكون رسوله بشراً مثل محمد فأنزل الله تعالى: {أَكَانَ لِلنَّاسِ} أهل مكة والألف للتوبيخ {عَجَباً} {أَنْ أَوْحَيْنَآ} أن في محل الرفع وأوحينا صلة له تقديره أكان للناس عجباً لإيحائنا {إلى رَجُلٍ مِّنْهُمْ} محمد، وفي حرف عبد الله: عجيبٌ، بالرفع على اسم كان، وأن في محل نصب على خبره {أَنْ أَنذِرِ الناس} أن على محل نصب بقصد الخافض وكذلك الثانية.
{وَبَشِّرِ الذين آمنوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِندَ رَبِّهِمْ}.
قال ابن عباس: أجراً حسناً بما قدموا من أعمالهم. قال الضحاك: ثواب صدق. مجاهد: الأعمال الصالحة، علي بن أبي طلحة عن ابن عباس: سبقت لهم السعادة في الذكر الأول. سلف صدق، زيد بن أسلم: محمد صلى الله عليه وسلم شفيع لهم. يمان: إيمانهم، عطاء: مقام صدق لا زوال فيه ولا بؤس، نعيم مقيم وخلود وخلود لا موت فيه، الحسن: عمل صالح أسلفوه {فأثابهم} عليه، الأعمش: سابقة صدق. أبو حاتم: منزل صدق نظيره {وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ} [الإسراء: 80] عبد العزيز بن يحيى: قدم صدق. قوله عزّ وجلّ: {إِنَّ الذين سَبَقَتْ لَهُمْ مِّنَّا الحسنى}
[الأنبياء: 101]. الزجاج: منزلة رفيعة، وقيل: هو بعثهم وتقديم الله تعالى هذه الأمة في البعث يوم القيامة، بيانه قوله صلى الله عليه وسلم نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، وقيل: عِدَة الله تعالى لهم، والقدم: القدم كالنقص والقبض وأُضيف القدم إلى الصدق وهو علة كما قيل: مسجد الجامع، وحقّ اليقين.
قال ابن الأعرابي: القدم المتقدم في الشرف.
قال العجاج:
زل بنو العوام عن آل الحكم *** وتركوا الملك لملك ذي قدم
أي متقدم.
قال أبو عبيدة والكسائي: كل سابق في خير أو شر فهو عند العرب قدم. يقال: لفلان قدم في الإسلام، وله عندي قدم صدق، وقدم سوء، وهو مؤنث يقال: قدم حسنة وقدم صالحة. قال حسان بن ثابت:
لنا القدم العليا إليك وخلفنا *** لأوّلنا في طاعة الله تابع
قال ذو الرمّة:
لكم قدم لا ينكر الناس أنها *** مع الحسب العاديّ طمت على البحر
وقال آخر:
قعدت بهم قدم الفجار وذكرت *** أنسابهم من فضة من مالق
أي ما يقدّم لهم من الفجّار.
{قَالَ الكافرون إِنَّ هذا لَسَاحِرٌ مُّبِينٌ} قال المفسرون: القرآن، وقرأ أهل الكوفة: لساحر يعني محمد صلى الله عليه وسلم.
{إِنَّ رَبَّكُمُ الله الذي خَلَقَ السماوات والأرض فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ استوى عَلَى العرش يُدَبِّرُ الأمر} قال مجاهد: يقضيه وحده {مَا مِن شَفِيعٍ إِلاَّ مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} أمره {ذلكم الله} الذي فعل هذه الأشياء {رَبُّكُمْ} لا ربّ لكم سواه {فاعبدوه أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ * إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ} معادكم {جَمِيعاً} نصب على الحال {وَعْدَ الله حَقّاً} صدقاً لا خُلف فيه، وهو نصب على المصدر، أي وعد الله وعداً حقّاً فجاء به حقّاً، وقيل: على القطع، وقرأ ابن أبي عبلة: وعد الله حق على الاستئناف، ثم قال: {إِنَّهُ يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ} أي يحميهم ابتداءً ثم يميتهم ثم يحييهم، وقرأ العامة: إنّه، بكسر الألف على الاستئناف. وقرأ أبو جعفر: أنه، بالفتح على معنى: لأنه وبأنه، كقول الشاعر:
أحقاً عباد الله أن لست زائراً *** بثينة أو يلقى الثريا رقيبها
{لِيَجْزِيَ} ليثيب {الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات بالقسط} بالعدل ثم قال: مبتدئاً {والذين كَفَرُواْ لَهُمْ شَرَابٌ} ماء حار قد انتهى حرّه {حَمِيمٍ} وهو بمعنى محموم فعيل بمعنى مفعول، وكل مسخن مُغلي عند العرب فهو حميم. قال المرقش:
وكل يوم لها مقطرة *** فيها كباء معدّ وحميم
{وَعَذَابٌ أَلِيمُ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ}.


{هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللَّهُ ذَلِكَ إِلَّا بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (5) إِنَّ فِي اخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ (6) إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (7) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (8) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (9) دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللَّهُمَّ وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلَامٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (10) وَلَوْ يُعَجِّلُ اللَّهُ لِلنَّاسِ الشَّرَّ اسْتِعْجَالَهُمْ بِالْخَيْرِ لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ فَنَذَرُ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (11) وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا لِجَنْبِهِ أَوْ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنَا إِلَى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (12) وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ (13) ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (14)}
{هُوَ الذي جَعَلَ الشمس ضِيَآءً} بالنهار {والقمر نُوراً} بالليل. قال الكلبي: تضي وجوههما لأهل السموات السبع وظهورهما لأهل الأرضين السبع.
قرأ الأكثرون: ضياءً بهمزة واحدة وروي عن ابن كثير: ضياء بهمزت الياء، ولا وجه لها لأن ياءه كانت واواً مفتوحة، وهي عين الفعل أصله ضواء فسكنت وجعلت ياءً كما جعلت في الصيام والقيام {وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ} أي قدر له بمعنى هيأ له وسوى له منازل لا يجاوزها ولا يقصر دونها.
وقيل: جعل قدر مما يتعدى لمفعولين ولم يقل قدرهما، وقد ذكر الشمس والقمر وفيه وجهان: أحدهما أن يكون الهاء للقمر خاصة بالأهلة يعرف انقضاء الشهور والسنين لا بالشمس، والآخر أن يكون قد اكتفى بذكر أحدهما من الآخر، كما قال: {والله وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ} [التوبة: 62] وقد مضت هذه المسألة {لِتَعْلَمُواْ عَدَدَ السنين} دخولها وانقضائها {والحساب} يعني وحساب الشهور والأيام والساعات {مَا خَلَقَ الله ذلك} مثل ما في الفصل والخلق والتقدير، ولولا وجود الأعيان المذكور لقال: تلك {إِلاَّ بالحق} لم يخلقه باطلا بل إظهاراً لصنعه ودلالة على قدرته وحكمته، ولتجزى كل نفس بما كسبت فهذا الحق {يُفَصِّلُ الآيات} يبيّنها {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ}.
قال ابن كثير وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: {يُفَصِّلُ} بالياء، واختاره أبو عبيد وأبو حاتم لقوله قبله {مَا خَلَقَ الله} وبعده {مَا خَلَقَ الله} فيكون متبعاً له، وقرأ ابن السميقع بضم الياء وفتح الصاد ورفع التاء من الآيات على مجهول الفعل، وقرأ الباقون بالنون على التعظيم.
{إِنَّ فِي اختلاف اليل والنهار وَمَا خَلَقَ الله فِي السماوات والأرض لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَّقُون} يوقنون فيعلمون ويقرّون.
قال ابن عباس: قال أهل مكة: آتينا بآية حتى نؤمن بك فأنزل الله تعالى هذه الآية.
{إِنَّ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} يعني لا يخافون عقابنا ولا يرجون ثوابنا، والرجاء يكون بمعنى الهلع والخوف {وَرَضُواْ بالحياة الدنيا} فاختاروها داراً لهم {واطمأنوا بِهَا} وسكنوا إليها.
قال قتادة في هذه الآية: إذا شئت رأيت صاحب دنيا لها يفرح ولها يحزن ولها يرضى ولها يسخط.
{والذين هُمْ عَنْ آيَاتِنَا} أدلتنا {غَافِلُونَ} لا يعتبرون. قال ابن عباس {عَنْ آيَاتِنَا} محمد والقرآن غافلون معرضون تاركون مكذبون {أولئك مَأْوَاهُمُ النار بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من الكفر والتكذيب {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات يَهْدِيهِمْ رَبُّهُمْ بِإِيمَانِهِمْ} فيه إضمار واختصار أي يهديهم ربهم بإيمانهم إلى مكان {تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنهار} قال أبو روق: يهديهم ربهم بإيمانهم إلى الجنة، قال عطية: يهديهم ويثيبهم ويجزيهم، وقيل ينجيهم.
مجاهد ومقاتل: يهديهم بالنور على الصراط إلى الجنة يجعل لهم نوراً يمشون به. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن المؤمن إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة حسنة وبشارة حسنة فيقول له. من أنت فو الله أني لأراك أمرء صدق؟ فيقول له: أنا عملك، فيكون له نوراً وقائداً إلى الجنة، والكافر إذا خرج من قبره صوّر له عمله في صورة سيئة وريح منتنة فيقول: من أنت فوالله إني لأراك امرء سوء؟ فيقول: أنا عملك فينطلق به حتى يدخله النار.».
وقيل: معنى الآية: بإيمانهم يهديهم ربهم لدينه أي بتصديقهم هداهم تجري من تحتهم الأنهار لم يرد أنها تجري تحتهم وهم فوقها، لأن أنهار الجنة تجري من غير أخاديد. وإنما معناه أنها تجري من دونهم وبين أيديهم وتحت أمرهم كقوله تعالى: {قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيّاً} [مريم: 24] ومعلوم أنه لم يجعل السري تحتها وهي عليه قاعدة وإنما أراد به بين يديها، وكقوله تعالى مخبراً عن فرعون: {أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وهذه الأنهار تَجْرِي مِن تحتي} [الزخرف: 51]، أو من دوني وتحت أمري {فِي جَنَّاتِ النعيم * دَعْوَاهُمْ} قولهم وكلامهم {فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم}.
قال طلحة بن عبد الله سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سبحان الله، فقال: هو تنزيه الله من كل سوء، وسأل ابن الكوّا علياً عن ذلك فقال: كلمة رضيها الله لنفسه.
قال المفسرون: هذه نعمة علم بين له وعين الخدام في الطعام فإذا اشتهوا شيئاً من الطعام والشراب قالوا: سبحانك اللهم. فيأتوهم في الوقت بما يشتهون على مائدة، فإذا فرغوا من الطعام والشراب حمدوا الله على ما أعطاهم فذلك قوله تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ} قولهم {أَنِ الحمد للَّهِ رَبِّ العالمين} وما يريد آخر كلام يتكلّمون به ولكن أراد ما قبله.
قال الحسن: بلغني بأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين قرأ هذه الآية: «إن أهل الجنة يلهمون الحمد والتسبيح كما يلهمون النفس» وذلك قوله تعالى: {دَعْوَاهُمْ فِيهَا سُبْحَانَكَ اللهم وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا} في الجنة {سَلاَمٌ} يحيّي بعضهم بعضاً بالسلام وتأتيهم الملائكة من عند ربهم بالسلام.
قال ابن كيسان: يفتحون كلامهم بالتوحيد ويختمون بالتحميد.
وقرأ العامة: {أَنِ الحمد للَّهِ} بالتخفيف والرفع، وقرأ بلال بن أبي بردة وابن محيصن أنّ مثقلا الحمد نصباً.
{وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ الشر} فيه اختصار ومعناه: {وَلَوْ يُعَجِّلُ الله لِلنَّاسِ} الآية ذهابهم في الشرك استعجالهم بالإجابة في الخير {لَقُضِيَ إِلَيْهِمْ أَجَلُهُمْ} أي لفرض من هلاكهم ولماتوا جميعاً. قال مجاهد: هو قول الإنسان لولده وماله إذا غضب: اللهم أهلكه، اللهم لا تبارك له فيه والعنه يتخذها الرجل على نفسه وولده وأهله وماله بما يكره أن يُستجاب له.
شهر بن حوشب. قرأت في بعض الكتب أن الله تعالى يقول للملكين الموكلين: لا تكتبا على عبدي في حال ضجره شيئاً.
وقرأ العامة: لقضي إليهم آجالهم برفع القاف واللام على خبر تسمية الفاعل، وقرأ عوف وعيسى وابن عامر ويعقوب: بفتح القاف واللام، وقرأ الأعمش: لقضينا، وكذلك هو في مصحف عبد الله، وقيل: أنها نزلت في النضر بن الحرث حين قال: {اللهم إِن كَانَ هذا هُوَ الحق مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السمآء} [الأنفال: 32] الآية يدل عليه قوله تعالى: {فَنَذَرُ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} لا يخافون البعث والحساب ولا يأملون الثواب {فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ * وَإِذَا مَسَّ} أصاب {الإنسان الضر} الشدة والجهد {دَعَانَا لِجَنبِهِ} على جنبه مضطجعاً {أَوْ قَاعِداً أَوْ قَآئِماً} فإنما يريد جميع حالاته لأن الإنسان لا يعدو أحد هذه الخلال {فَلَمَّا كَشَفْنَا} رفعنا وفرجنا {عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَن لَّمْ يَدْعُنَآ إلى ضُرٍّ مَّسَّهُ} أي استمر على طريقته الأولى، قيل: أن يصيبه الضرّ ونسي ما كان فيه من الجهد والبلاء وترك الشكر والدعاء، قال الأخفش: كأن لم يدعُنا وكأن لم يلبثوا وأمثالها، كأن الثقيلة والشديدة كأنه لم يدعنا {كذلك} أي كما زيّن لهذا الإنسان الدعاء عند البلاء والإعراض عند الرخاء كذلك {زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ} الآية زين الجد في الكفر والمعصية {مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} من الكفر والمعصية والإسراف يكون في النفس، وفي قراءة: ضيّع نفسه وجعلها عابد وثن وضيع ماله إذ جعله سائباً بلا خير، ومعنى الكلام أسرفوا في عبادتهم وأسرفوا في نفقاتهم.
{وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا القرون مِن قَبْلِكُمْ} يعني الأمم الماضية. قال ابن عباس: بين القرنين ثمان وعشرون سنة.
{لَمَّا ظَلَمُواْ} أشركوا {وَجَآءَتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات وَمَا كَانُواْ لِيُؤْمِنُواْ كذلك} أي كما أهلكناهم بكفرهم وتكذيبهم رسلهم {نَجْزِي} نهلك {القوم المجرمين} المشركين تكذيبهم محمد صلى الله عليه وسلم يخوّف كفّار مكة عذاب الأمم الخالية المكذبة {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض مِن بَعْدِهِم} أي من بعد القرون التي أهلكناهم {لِنَنظُرَ} لنرى {كَيْفَ تَعْمَلُونَ} وهو أعلم بهم. قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الدنيا خضرة حلوة وأن الله استخلفكم فيها فانظر كيف تعملون».
قتادة: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: صدق الله ربنا ما جعلنا خلفاء إلاّ لينظر إلى أعمالنا فأروا الله من أعمالكم خيراً بالليل والنهار والسرّ والعلانية.
وروى ثابت البناني عن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن عوف بن مالك قال لأبي بكر: رأيت فيما يرى النائم كأنّ شيئاً دُلّي من السماء فانتشط رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم أُعيد فانتشط أبو بكر رضي الله عنه ثم ذرع الناس حول المنبر ففصّل عمر بثلاثة أذرع إلى المنبر، فقال عمر: دعنا من رؤياك لا أرب لنا فيها، فلما استخلف عمر قال: قل يا عوف رؤياك، قال: هل لك في رؤياي من حاجة؟ أو لم تنهوني؟ فقال: ويحك إني كرهت أن تنعى لخليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه. فقصّ عليه الرؤيا حتى إذا بلغ ذرع الناس المنبر بهذه الثلاثة الأذرع. قال: أما إحداهن فأنّه كائن خليفة وأما الثانية فإنه لا يخاف في الله لومة لائم، وأما الثالثة فإنّه شهيد، ثم قال: يقول الله تعالى: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأرض} إلى قوله: {لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} فقد استخلفت يا ابن أم عمر فانظر كيف تعمل، وأما قوله: فإني لا أخاف في الله لومة لائم فيما شاء الله، وأما قوله: إني شهيد فأنّى لعمر الشهادة والمسلمون مطيفون به، ثم قال: إن الله على ما يشاء لقدير.


{وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (15) قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (16) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ (17) وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ (18) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (19) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ (20)}
{وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الذين لاَ يَرْجُونَ لِقَآءَنَا} قتادة: يعني مشركي مكة، مقاتل: هم خمسة نفر: عبد الله بن أُمية المخزومي والوليد بن المغيرة ومكرز بن حفص، وعمرو بن عبد الله بن أبي قيس العامري، والعاص بن عامر بن هاشم. قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم {ائت بِقُرْآنٍ} ليس فيه ترك عبادة اللات والعزى ومناة وهبل وليس فيه عنهما أي {بَدِّلْهُ} تكلم به من تلقاء نفسك.
وقال الكلبي: نزلت في المستهزئين، قالوا: يا محمد ائت بقرآن غيره ليس فيه ما يغيظنا، أو بدّله فاجعل مكان آية عذاب آية رحمة أو آية رحمة آية عذاب أو حرام حلالا أو حلال حراماً {قُلْ} لهم يا محمد {مَا يَكُونُ لي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَآءِ نَفْسِي} من قبل نفسي ومن عندي {ا إِنْ أَتَّبِعُ} ما أطيع فيما آمركم وأنهاكم {إِلاَّ مَا يوحى إِلَيَّ إني أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ * قُل لَّوْ شَآءَ الله مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ} أعلمكم {بِهِ} وقرأ الحسن: ولا أدراتكم به، وهي لغة بني عقيل يحولون الياء ألفاً فيقولون: أعطأت بمعنى أعطيت، ولبأت بمعنى لبّيت وجاراة وناصاة للجارية والناصية. فأنشد المفضل:
لقد أذنت أهل اليمامة طيّ *** بحرب كناصاة الأغر المشهر
وقال زيد الخيل:
لعمرك ما أخشى التصعلك ما بقا *** على الأرض قيسيّ يسوق الأباعرا
أي ما بقي، وقال آخر:
زجرت فقلنا لا نريع لزاجر *** إن الغويّ إذا نَها لم يعتب
أي نهى.
وروى البري عن ابن كثير ولادراكم بالقصر على الإيجاب يريد: ولا عملكم به من غير قراءتي عليكم. وقرأ ابن عباس: ولا أدراتكم من الإنذار، وهي قراءة الحسن {فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً} حيناً وهو أربعون سنة {مِّن قَبْلِهِ} من قبل نزول القرآن ولم آتكم بشيء {أَفَلاَ تَعْقِلُونَ} انه ليس من قبلي.
قال ابن عباس: نبّيء رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعون سنة وأقام بمكة ثلاثة عشرة وبالمدينة عشرة وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} فزعم أنه له شريكاً أو صاحبة أو ولداً {أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ} محمد والقرآن {إِنَّهُ لاَ يُفْلِحُ المجرمون} لا يأمن ولا ينجو المشركون {وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَضُرُّهُمْ} إن عصوه {وَلاَ يَنفَعُهُمْ} أن أطاعوه يعني الأصنام {وَيَقُولُونَ هؤلاء شُفَعَاؤُنَا عِندَ الله قُلْ أَتُنَبِّئُونَ} تخبرون {الله} قرأه العامة: بالتشديد، وقرأ أبو الشمال العدوي: أتُنبئون بالتخفيف وهما لغتان. نبأ ينبئ بنية، وأنبأني إنباءً بمعنى فاعل جمعها.
قوله تعالى: {قَالَتْ مَنْ أَنبَأَكَ هذا قَالَ نَبَّأَنِيَ العليم الخبير} [التحريم: 3] {بِمَا لاَ يَعْلَمُ} بما لا يعلم الله تعالى صحته وحقيقته ولا يكون {فِي السماوات وَلاَ فِي الأرض} ومعنى الآية: أتخبرون الله أنّ له شريكاً أو عنده شفيعاً بغير إذنه ولا يعلم الله أنّ له شريكاً في السماوات {وَلاَ فِي الأرض} لأنه لا شريك له فلذلك لا يعلمه نظيره قوله عزّ وجلّ: {أَمْ تُنَبِّئُونَهُ بِمَا لاَ يَعْلَمُ فِي الأرض} [الرعد: 33].
ثم نزّه نفسه فقال: {سُبْحَانَهُ وتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} قرأ يحيى بن ثابت والأعمش وأبو حمزة والكسائي وخلف: تشركون بالتاء هاهنا وفي سورة النحل والروم، وهو اختيار أبي عبيد للمخاطبة التي قبلها، وقرأ الباقون كلها بالياء، واختارها أبو حاتم، وقال: كذلك تعلمناها.
{وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً} على ملة واحدة الإسلام دين آدم عليه السلام إلى أن قتل أحد ابني آدم أخاه فاختلفوا. قاله مجاهد والسدي.
قال ابن عباس: كان بين آدم ونوح عشرة قرون كلهم على شريعة من الحق فاختلفوا على عهد نوح فبعث الله إليهم نوحاً، وقيل: كانوا أمة واحدة مجتمعة على التوحيد يوم الميثاق. وقيل: أهل سفينة نوح، وقال أبو روق: كانوا أمة واحدة على ملّة الإسلام زمن نوح عليه السلام بعد الغرق، وقال عطاء: كانوا على دين واحد الإسلام من لدن إبراهيم عليه السلام إلى أن غيّره عمرو بن يحيى، عطاء: يدلّ على صحة هذه التأويلات قراءة عبد الله: {وَمَا كَانَ الناس إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فاختلفوا}، وقال الكلبي: وما كان الناس إلاّ أمة واحدة كافرة على عهد إبراهيم فاختلفوا فتفرقوا، مؤمن وكافر.
{وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ} بأن جعل للدنيا مدة لكل أمة أجلا لا تتعدى ذلك، قال أبو روق وقال الكلبي: هي أن الله أخّر هذه الأمة ولا يهلكهم بالعذاب في الدنيا، وقيل: هي أنه لا يأخذ إلاّ بعد إقامة الحجة.
وقال الحسن، ولولا كلمة سبقت من ربك مضت في حكمه أنه لا يقضي فيهم فيما اختلفوا فيه بالثواب والعقاب دون القيامة.
{لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ} في الدنيا فأدخل المؤمنين الجنة بأعمالهم والكافرين في النار بكفرهم ولكنه سبق من الله الأجل فجعل موعدهم يوم القيامة.
وقال أبو روق: لقضي بينهم، لأقام عليهم الساعة، وقيل: الفزع من هلاكهم، وقال عيسى ابن عمر: لقضى بينهم بالفتح لقوله: {مِن رَّبِّكَ} {فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} من الذين {وَيَقُولُونَ} يعني أهل مكة {لَوْلاَ أُنزِلَ عَلَيْهِ} أي على محمد {مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ} لهم يا محمد ما سألتموني الغيب {إِنَّمَا الغيب للَّهِ} ما يعلم أحدكم بفعل ذلك إلاّ هو، وقيل: الغيب، نزول الآية متى تنزل نزل {فانتظروا} نزول الآية {إِنِّي مَعَكُمْ مِّنَ المنتظرين} لنزولها، وقيل: فانتظروا قضاء الله بيننا بإظهار الحق على الباطل. وقال الحسن: فانتظروا مواعيد الشيطان وكانوا مع إبليس على موعد فيما يعدهم ويمنيهم أني معكم من المنتظرين. فأنجز الله وعده ونصر عبده.

1 | 2 | 3 | 4 | 5